فصل: صفات الفاسقين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.معنى الفسق:

الفسق: يأتي على معنيين:
يأتي بمعنى الكفر، ويكون مخرجا من الملة ومنه قول الله جل وعلا في سورة السجدة {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون}.
ويأتي بمعنى الكبيرة أو العصيان الذي لا يخرج من الملة ومنه قول الله جل وعلا في سورة الحجرات {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}.
فهذا فسق لا يخرج من الملة، وأصل الفسق الخروج، فكل من خرج عن طاعة الله فهو فاسق والناس في هذا بلا شك درجات عدة.
{وما يضل به إلا الفاسقين}.

.صفات الفاسقين:

ثم ذكر الله صفات الفاسقين، {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} وأعظم عهد لله توحيده والإيمان به.
{ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} والذي أمر الله به أن يوصل كثير، ولكن أعظمه صلة الرحم.
{ويفسدون في الأرض}. أي بالمعاصي وأنا قلت أجمل أحيانا في التفسير، لأن القرآن مثاني يعني يتكرر فأطنب في مجالات وأتوقف في مجالات عمدا حتى يأتي البيان في سورة ثانية.
{وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون}.
ثم ذكر الله جل وعلا خطابا موجها لأهل الكفر خاصة، على هيئة أسلوب استفهامي إنكاري توبيخي فقال سبحانه: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون}.

.الموتتان والحياتان:

يتحرر من هذا كم موت؟ موتان، وكم حياة؟ حياتان.
الموت الأول: المقصود به العدم، قبل الخلق، قال الله تعالى في سورة الإنسان: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا}.
والحياة الأولى: هي نفخ الروح في الجنين في بطن أمة وهي الحياة التي نعيشها الآن.
والموت الثاني: مفارقة الروح الجسد.
والحياة الثانية: عودة الروح للجسد.
وهذا ينجم منه أن الروح لا تموت، وإنما موتها خروجها من الجسد.
والروح تخرج من الجسد، بعد أن تكون قد دخلت فيه، ودخول الروح إلى الجسد ليس وضعا اختياريا لها، فلا يوجد إنسان اختار جسده، ولا جسده اختار روحه، لكن ينجم مع الأيام تآلف ما بين الجسد والروح، فإذا جاء نزع الروح، يكون نزع الروح صعب على الإنسان لما وجد من تآلف ما بين الجسد والروح:
هبطت إليك من المحل الأرفع ** ورقاء ذات تعزز وتمنع

هبطت على كره إليك وربما كرهت ** فراقك وهي ذات توجع

يعني يصبيها تمنع وتوجع وعندما تريد أن تفارقك، هذا معنى قول الله في {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون}.
والمقصود أن من كان وليي هذا وربه وهو القادر عليه وجب أن لا يكفر به، فمن كفر به استحق التوبيخ والإنكار.

.الأصل في الأشياء الإباحة:

ثم قال الله جل وعلا: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} هذه مسألة يقول عنها الأصوليون دلت على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، وأكدها الله جل وعلا بقوله: {جميعا} فالمخلوقات الأصل فيها الطهارة والإباحة إلا ما دل الدليل على نجاسته أو على حرمته.
فالناقل عن الأصل وهذه المسألة أصولية هو الذي يحتاج إلى دليل.
فالأصل في البيوع مثلا الحل، قال الله جل وعلا: {وأحل الله البيع}. فمن جاء قال هات دليل على أن هذا البيع حلال، نحن لا نحتاج إلى دليل أنت إن قلت إنه حرام تحتاج إلى دليل، والعبادات الأصل فيها المنع إلا ما دل الدليل على شرعيته، قال الله تعالى في سورة الشورى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}.
{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم}.

.معنى {استوى}:

نأتي في الفعل استوى لأنه هذا المسألة تحتاج كطالب علم إلى تحريرها، اسمع يا أخي: العرب تقول هناك فعل لازم وفعل متعدي.
يعني على مهل: تقول: أكل الرجل الطعام.
يقولون: هذا أكل فعل، والرجل فاعل، هذا الفعل أكل تعداه إلى مفعول به الذي هو ماذا؟ الطعام.
- المتعدي، يقولون هذا المتعدي يتعدى بأحد طريقين:
إما أن يتعدى مباشرة، مثل: أكل الرجل الطعام. وإما أن يتعدى بحرف جر، تقول جلس الرجل على الكرسي. جلس، فعل، والرجل: فاعل: وعلى الكرسي: جار ومجرور، تعدي بها الفعل ما هو؟ جلس... جار ومجرور.
أما الفعل استوى، جاء في القرآن على ثلاثة أحوال: جاء لازما غير متعدي، وجاء متعديا بحرف الجر على. وجاء متعدي بحرف الجر إلى.
وفي كلا الثلاثة أحوال، في كل حال له معنى، قال الله جل وعلا عن كليمه موسى في سورة القصص: {ولما بلغ أشده واستوى}. هل بعد استوى شيء؟ ما في شيء.
إذا جاءت استوى وليس بعدها شيء معناه: الكمال والتمام.
أي: موسى هنا تمت وكمل عقله ورجولته. هذا إذا لم يتعدى بشيء، بقينا في الحالة الثانية التي تنقسم إلى قسمين، إذا تعدى بحرف، قال الله جل وعلا في سبع مواضع من القرآن {الرحمن على العرش استوى}. فتعدى بحرف الجر على. إذا تعدى بحرف الجر على يصبح معناه العلو والارتفاع، {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} إذا تعدى بحرف الجر إلى يصبح معناه القصد يعني قصد من شيء إلى شيء آخر، وهو الذي بين أيدينا.
قال الله جل وعلا: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء}. حتى تفهم الآية جيدا.

.خلق الله الأرض قبل السماء:

خلق الأرض في يومين، ثم قبل أن يتمها جل وعلا وهو القادر قصد السماء، فخلقها في يومين، {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين}.
فخلق الأرض في يومين، بعد أن خلق الأرض في يومين عاد جل وعلا وهو القادر على كل شيء فأكمل خلق الأرض، فأصبح خلقت السموات والأرض جملة في كم يوم؟ في ستة أيام، لكن السماء خلقت في يومين والأرض في أربعة أيام.
بدأ الله بالأرض خلقها في يومين، ثم استوى إلى السماء أي قصد السماء، تعدى بحرف الجر إلى، ثم لما أكمل خلق السماء عاد جل وعلا وأكمل خلق الأرض ولذلك قال جل وعلا في سورة النازعات: {والأرض بعد ذلك دحاها}. ولم يقل والأرض بعد ذلك خلقها، لأن خلقها تم من قبل، لكن تركها جل وعلا غير منتهية لحكمة أرادها ثم أكمل خلقها.
نقول: يتحرر من الآية أن استوى فعل يأتي على ثلاث صيغ يأتي غير متعد فيصبح، معناه الكمال والتمام.
ويأتي متعدي بحرف الجر على، فيصبح معناه العلو والارتفاع.
ويأتي متعديا بحرف الجر إلى، فيصبح معناه القصد، وهذا المقصود به في الآية هنا.

.السماوات السبع:

{ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات}. ذكر الله في القرآن أن السموات سبع، ولم يذكرا في القرآن نصا صريحا كلمة سبع أراضين، لكنها جاءت في السنة، ودل عليها القرآن.
دل عليها القرآن، في سورة الطلاق، لما قال الله تعالى في آخر الآية: {ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن}.
وجاءت به السنة أن من اغتصب شبرا طوق من سبع أراضين، ولا يوجد جواب شافي لماذا لم يذكر الله كلمة سبع أراضين في القرآن فيما نعلم.
هذه السموات السبع بعضها فوق بعض أدنى سماء إلينا، تسمى السماء الدنيا، وأعلى سماء تسمى السماء السابعة، ولكل سماء خزنة وأبواب وسكان، أما الأبواب فإن الله يقول في سورة الأعراف {لا تفتح لهم أبواب السماء} وأما السكان فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أطت السماء وحق لها أن تئط والله ما من موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى»، وأما خزنتها فإن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج أن جبريل كان يستفتح فيسأله الخزنة من أنت فيقول أنا جبريل ومعي محمد وهؤلاء القائمون على شئون السماوات. هذه السماوات تفتح لأقوام وتسد في وجه أقوام، تفتح للإيمان والعمل الصالح والدعوات الصالحات ودعوة المظلوم هذه كلها تفتح لها أبواب السماء قال الله جل وعلا في سورة فاطر: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}.
وتسد عيإذا بالله في وجه أرواح أهل الكفر وأهل الفسق {لا تفتح لهم أبواب السماء} وتسد في وجه الأعمال التي يخل الإنسان فيها كمن ضيع الصلاة أو فرط فيها وفي الدعوات كقطيعة الرحم والبغي وفي كل ما نهى الله عنه لا تفتح لهم أبواب السماء فتح الله لنا ولكم أبواب السماء.
ثم قال جل وعلا {وهو بكل شيء عليم} الباء هنا للإلصاق، وعليم اسم من أسمائه الحسنى. هذا ما تيسر إيراده والفضل لله في أوله وآخره. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تأملات في سورة البقرة:
للشيخ صالح المغامسي.
الجزء الثاني:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
الحمد الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهاجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
أيها الإخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال الله تعالى في سورة البقرة: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}.
هذه الآية جاءت بعد قول الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين} فناسب الله بعد أن ذكر المرسلين في ختام الجزء الثاني أن يبدأ بالرسل، وقال الله تلك ولم يقل هؤلاء كما قال في أول القرآن {ذلك الكتاب} بيانا لعلو قدرهم ورفيع مكانتهم وجليل منازلهم، أشار الله جل وعلا إليهم بقول: {تلك الرسل} جم غفير أخبر الله نبيه أنهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا أرسلهم الله جل وعلا.
يتنزل على الآية التي ذكرناها مسائل عدة أولها:

.الفرق بين الرسول والنبي:

أكثر المصنفين في كتب العقيدة وغيرها يقول: أن النبي والرسول بينهما فرق، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول، ويقولن أن الفرق:
أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه والنبي من أوحي إلية وحي ولم يؤمر بتبليغه، قلنا هذا علية أكثر من صنف لكنه خلاف الحق خلاف الصحيح لأن الله عز وجل أعز وأجل من أن يوحي إلى عبد علما ويكون هذا العبد سرير الكتمان في صدر ذلك الرجل يموت بموته ولا يؤمر ببلاغة وهذا أمر يتنافى مع الشرع، إذن نقول:
إن هذا التعريف غير مستقيم ولابد من تعريف مستقيم، فنقول:
إن الرسول من أوحي إليه شرع جديد وأما النبي من بعث على تقرير شرع من قبلة. حتى يتضح المثال:
موسى وعيس عليهم السلام، موسى جاء بالتوراة وجاء بعده أنبياء لا يسمون رسل لأنهم كانوا يحتكمون إلى التوراة فهم أنبياء وليسوا رسل، وعيسى عليه السلام لما جاء بالإنجيل خرج عن كونه نبي إلى كونه نبي رسول لأن الإنجيل فيه شريعة غير الشريعة التي جاء بها موسى عن ربه والمدونة في التوراة مع اتفاقهم عليهم الصلاة والسلام أجمعون على أنهم كلهم بعثوا بالتوحيد وباتفاقهم على البعث والنشور واليوم الآخر، فهذا اتفقت علية كلمة النبيين اتفقوا جميعا أنهم جاءوا بدين واحد وإنما الإختلاف كان اختلافا في الشرائع فإذا جاء نبي وقرر شرع الذي قبلة فهذا نبي وإذا جاء رسول وجاء بشرع جديد فهذا رسول هذه المسألة الأولى في الفرق بين النبي والرسول.

.الرسل بشر لكنهم تميزوا عن البشر بخصائص منها:

أولها وأعظمها: الوحي.
وثانيها أنهم يخيرون عند الموت.
وثالثها أنهم يدفنون حيث يموتون، ولذلك النبي كان يخير وسمعته عائشة وهو يقول: «بل الرفيق الأعلى» لأنه كان يخير ودفن في نفس موطن موته في حجرة عائشة كما هو الظاهر اليوم لأن الأنبياء يدفنون حيث يموتون.
ورابعها أن الأنبياء لا تأكل الأرض أجسامهم قالوا يا رسول الله كيف نصل عليك وقد أرمت قال إن الله أوحي إلى الأرض أن لا تأكل أجساد الأنبياء فالأنبياء لا تأكل الأرض أجسادهم.
الخصيصة الخامسة أنهم أحياء في قبورهم حياة برزخية الله أعلم بها، وقد مر الرسول صلى الله علية وسلم بموسى وهو يصلى في قبره كما أخبر بذلك صلوات الله وسلامه عليه.
قال الله في الآية: {فضلنا بعضهم على بعض} هذا قول الله فضلنا بعضهم آية محكمة صريحة واضحة أن التفضيل قائم بين من؟ بين الأنبياء لكنه ثبت عن نيبنا صلى الله علية وسلم في الصحيحين عن حديث أبي سعيد وأبو هريرة رضي الله عنهم وغيرهم أنه قال: «لا تفضلوا بين الأنبياء» وقال عليه السلام: «لا تخيروا بين الأنبياء» إذن يوجد ما يسمى بالنطاق العلمي إشكال لابد من حل ذلك الإشكال، قلنا الإشكال ما بين منصوص الآية وأن الله يقول: {فضلنا بعضهم على بعض} وبين منطوق الحديث: «لا تخيروا بين الأنبياء» أجاب العلماء رحمهم الله عن هذا بأجوبة من أشهرها أن هذا كان قبل أن يعلم عليه السلام أنه قال ذلك القول قبل أن يعلم بأن هناك تفاضل وهذا أضعف الأقوال في حل الإشكال أنه قال هذا الحديث قبل أن تنزل عليه الآية وقلنا هذا أضعف الأقوال في حل الإشكال.
القول الثاني: قال بعض العلماء أنه التفاضل يكون ممنوعا في حالة أن يكون معتمدا على عصبة وحمية أن يأتي كل مسلم يناصر الرسول الذي من الأمة التي هم منها وينتسب إليها عرقا أو غير ذلك قالوا إذا كان التفاضل مبنيا على حمية وعصبية هذا ممنوع ويجوز فيما سواء ذلك وهذا القول مال إليه كثير من العلماء وعندما نقول كثير غير كلمة أكثر عندما نقول كثير لا يعني الغلبة لكن قال عدد غير محدود من العلماء أما الأكثر فإننا نوازي بين الطرفين.
القول الثالث: ممن أجاب هذا من العلماء الشيخ الإمام الشنقيطي في أضواء البيان قال أن حل الإشكال أن يقال أن الأنبياء يتساوون في أصل النبوة ويكون التفاضل في الأعطية التي خص الله بها بعضهم على بعض.
والقول الرابع: قول ابن عطية رحمة الله كما نقله عن القرطبي وهو الآن موجود ومطبوع وهو أصوب الآراء فيما نعتقد أنه قال رحمه الله أن التفاضل يكون ممنوعا إذا كان مخصوصا بين نبيا بعينه ونبي آخر، ويكون مخصوصا يعني بين نبي ونبي، تقول موسى وعيسى ومحمد وإبراهيم وموسى ونوح قال هذا ممنوع لأن هذا يورث شيئا في الصدور ولكن أن تبين فضل الله على نبي بخلاف ما عليه غيره من الأنبياء هذا هو الذي أراده الله في قوله: {فضلنا بعضهم على بعض} وإلى هذا الرأي نميل والله تعالى أعلم، هذا أجوبة العلماء تبين الإشكال القائم بين الآية وبين قول النبي «لا تفضلوا..» وفي رواية كما في الصحيحين «لا تخيروا بين الأنبياء» قال الله: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله} منهم عائدة على من؟ عائدة على الرسل، من كلم الله إذا أطلق التكليم ينصرف إلى موسى عليه السلام لأن الله قال له في سورة الأعراف: {قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين}.
وقال الله جل وعلا في سورة النساء {وكلم الله موسى تكليما} لكن الذين كلموا أكثر من واحد، الثابت منهم ثلاثة آدم علية السلام؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بسند صحيح أنه سئل عن آدم أنبي هو قال: «نعم نبي مكلم» وهذا نص في المسألة نفسها سئل عن آدم فقال نبي مكلم وموسى بنص القرآن ومحمد في ليلة الإسراء والمعراج فهؤلاء الثلاثة منصوص على أن الله كلمهم، والتكليم من أرفع المنازل وأجل العطايا وأسخى الهبات من الرب جل وعلا: {منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} فإن الله رفع الأنبياء وميز بعضهم على بعض، كلم موسى وقال في إدريس في سورة مريم: {ورفعناه مكانا عليا} وأعطى داود الزبور وكان ندي الصوت به، وجعل نوح أول الرسل إلى الأرض وجعل إبراهيم خليلا، فكل منهم صلوات الله وسلامه عليهم وهبه الله جل وعلا مزية أو فضيلة مع الاتفاق على أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء جميعا بل أفضل الخلق كلهم جنا وإنسا صلوات الله وسلامة علية.
يتحرر من المسألة أن أفضل الأنبياء جملة ألوا العزم، قال تعالى في سورة الأحقاف: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} وألوا العزم هم خمسة قال أكثر العلماء على أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ورتبتهم حسب ظهورهم حسب أزمنتهم، هؤلاء قال الله عنهم في سورة الأحزاب: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} فهذا النص على أنهم ألوا العزم وأنهم أرفع الأنبياء مقاما، أهل السنة متفقون على أن الأنبياء جملة أفضل البشر وأنه لا يوجد أحد من البشر أبو بكر فمن دونه لا يرقى أبدا إلى أي نبي من الأنبياء فالنبوة منزلة لا تعدلها منزلة ولا يعدلها شيء، ذهب الشيعة الأمامية إلى أن أئمتهم أفضل من الرسل بخلاف ألوا العزم من الرسل على قول وعلى قول آخر أنهم أفضل من ألوا العزم بخلاف نبينا محمد وهذا نقوله من باب العلم وإلا هو قول باطل بلا شك ولا يحتاج إلى دليل لنقضه لأن النبوة مسألة منتهية ثابتة بالكتاب والسنة وأما الإمامة التي يزعمون فلم تثبت بالكتاب ولا بالسنة قال الله: {فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} ذكر عيسى بعد الأنبياء عموما يسمى ذكر خاص بعد عام لأن عيسى ابن مريم يندرج في الأولين يندرج في قوله تعالى: {تلك الرسل} لكن الله خصه بالذكر هنا لحكمة هي أن أهل الكتاب اليهود، النصارى اختلفوا فيه ما بين إفراط وتفريط، فالنصارى بالغوا فيه حتى جعلوه إلها مع الله، واليهود ذموه حتى حاولوا قتله وكلا الفريقين أخطأ السبيل ولذلك حدد الله جل وعلا ذكره هنا قال سبحانه: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات} والبينات جمع بينه وهي الأمارة والدلالة والبرهان والوضوح وقد من الله على عيسى بعدت بينات منها أنه تكلم في المهد وأنه يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله هذا بعض ما من الله به على عيسى.
{وأيدناه بروح القدس} جمهور العلماء على أن روح القدس المقصود به هنا هو جبرائيل ويؤيده من السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «هجهم وروح القدس معك» أي جبرائيل وذهب بعض العلماء كابن السعدي رحمة الله في تفسيره إلى أن المقصود بروح القدس الإيمان واليقين في قلب عيسى عليه السلام.
ثم قال: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات} الأنبياء لما جاءوا أتوا بالحق فطبيعي أن يختصم الناس فيما جاء به الأنبياء فلما اختصم كل قوم فيما جاء به النبي انقسموا إلى فريقين مؤمن وكافر، كونهم مختلفين يولد بينهم الحرب الاقتتال والحرب فلما جاء الأنبياء والرسل بالعلم من الله بالوحي بالتوحيد بالإسلام أثار ذلك الناس فانقسموا إلى فريقين سواء كانوا قلة أم كثره هذان الفريقان أصبح بينهم اقتتال لعلة الاختلاف ثم أخبر الله جل وعلا أن منهم فريقان منهم من آمن ومنهم من كفر ثم أراد الله أن يبين أن السبب قد يوجد أحيانا ولا يعمل حتى لا تنصرف أذهان الناس أن السبب قد ينفع أحيانا ويضر من غير الله.
قال الله بعدها {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} هذا التكرار فهمه بعضهم أنه توكيد وقد نتسامح ونقول أنه توكيد لكنه ليس توكيد لمجرد التكرار وإنما المقصود من الآية البيان التالي: الله أخبر أن وجود الإختلاف سبب للقتال ثم كرر وقال ولو شاء الله ما اقتتلوا ليبين أنه قد يوجد خلاف ولكنه لا يوجد قتال بإذن من الله بمعنى أن الله يلغي السبب تماما مثل النار جعلها الله سبحانه للإحراق وقد يدخل إنسان النار ويخرج منها كما حصل لإبراهيم دون أن تؤثر فيه لأن الله لم يرد للنار أن تعمل.
أبو مسلم الخولاني تابعي أدرك عمر رضي الله عنه لما ظهر الأسود العنسي في اليمن أمر بنار ليحرق أبو مسلم وهو رجل تابعي من أهل اليمن فأدخله في النار فخرج منها أبو مسلم دون أن يصيبه أي شيء، الأصل أن النار سبب للحرق لكن من الذي جعلها لا تعمل وعطل سببها الرب سبحانه ولذلك كرر الله قوله: {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} فنحن كمؤمنين نأخذ بالأسباب وبعلمنا أن الذي بيده كل شيء هو الله فنحن وإن أخذنا بها أخذنا بها لأننا مأمورون أن نسلكها لكننا متفقون على أنها لا تضر ولا تنفع إلا بيد الله، سبحانه وتعالى وقد يسقي إنسانا زرعا فيحصده غيره وقد يجمع إنسانا المال ليأكله فيموت ويأكله غيره وهذا أمر كل عاقل يدركه ليلا ونهارا بكرة وعشيا فيما يراه وينظر إليه، وأنا قلت مرارا إن هارون الرشيد الخليفة العباسي أوكل الخلافة من بعده لابنه الأمين والمأمون وثالثا آخر منهم وترك المعتصم، وكان له أكثر من أربعة عشرا ابنا، وكان المعتصم في العدد الأخير من أبنائه أي في الثامن أو التاسع ثم أخذ الوثيقة وعلقها على الكعبة أخذ فيها العهد من العلماء والمسلمين على أن الخلافة من بعده لابنه الأمين ثم المأمون ثم الثالث وحجبها عن المعتصم لأن أمه لم تكن عربيه فشاء الله أن يموت الأمين والمأمون يقتتلان فيقتل المأمون الأمين على يد طاهر الخزاعي ثم يرث المأمون الخلافة ويموت الثالث في خلافة أخيه المأمون ثم يطول المأمون قليلا يموت مابين المأمون والمعتصم ثم في ذروة مجده يموت المأمون ثم تأتي الخلافة منقادة إلى المعتصم بخلاف ما أراد والده ولم يأتي بعد ذلك خليفة عباسي إلا وهو من ظهر المعتصم ولم يبقى للأمين والمأمون ولا غيرهم أبناء ولا أحفاد يتولون الحكم انصبت كلها في المعتصم، فأنت تريد وهذا يريد والله يفعل ما يريد، العاقل لا يعطل الأخذ بالأسباب لكنه يتوكل على الملك الغلاب.
وهذه أمور تجري بقدر الله والله جل وعلا الملك ملكه والأمر أمره يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد.
ثم قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون}.
{يا أيها الذين آمنوا} يسميه العلماء نداء كرامه لأن الله تعالى نعت فيه عباده بوصف، ونعت الإيمان أحب وصف ونعت إلى قلوبهم، ثم طالبهم بالإنفاق وجعله مبهما لأن المقصود منه الإنفاق الفرضي والإنفاق النفل على الصحيح مجرد إنفاق إن كان قرضا أو كان نفلا هذه تفسره السنة يعتبر في كتب الفقهاء، لكن الله بين هنا سبب الإنفاق وأن الإنسان ينفق في الدنيا حتى يهون عليه الموقف يوم القيامة.
قال سبحانه: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} وسنبين لماذا قال الله البيع والخلة والشفاعة وقلنا دائما ضرب الأمثال من الواقع يقرب، لو أن إنسان إي إنسان عليه ذمه عليه حق يريد أن يسدده لغيره هذا الحق حتى تتخلص منه لن تتخلص منه إلا بأحد طرائق ثلاث:
الطريقة الأولى: أن تشتريه- تدفع ثمن- وينتهي الحق مثلا عليك ألف ريال من فلان صدمت سيارته فإما أن تبيع شيء أو تشتري منه هذا كم تقدر العطل يقول بألف تعطيه ألف ريال وتنتهي القضية.
الطريقة الثانية: تعجز أنت عن الألف فتعمد إلى صديق يعينك على دفع الألف- صديق أو قريب أو أي إنسان آخر.
الطريقة الثالثة: لا تجد أحد يدينك أو يعطيك ولكن تعرف شخص ذو وجاهه يعرف هذا الرجل يذهب إليه كشفيع يتشفع عند هذا أن يتنازل عن الحق ولا يوجد حل ثالث.
هذه الثلاثة كلها منتفية يوم القيامة أنت لا تستطيع أن تشتري ذنوبك بأي ثمن ولا تستطيع أن تذهب إلى أحد ليحملها عنك ولا يوجد شفيع ذو وجاهه من غير الله يستطيع أن يشفع يومئذ إلا ما أذن الله جل وعلا أن يشفع لذلك قال الله البيع يفسر بالشراء وقال الخلة وهي الصداقة والمعرفة وقال الشفاعة وهي الوجاهة وكلها منتفية إلا الشفاعة المثبتة شرعا وسيأتي بيانها.
{لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون} لأنهم عدلوا مع الله غيره وهذا من أعظم الظلم.
ثم ذكر الله الآية الشهيرة المعروفة بآية الكرسي وهي أعظم آية في كتاب الله ثبت عنه عليه السلام أنه سأل أبي ابن كعب الصحابي المعروف قال: «يا أبي أي آية في كتاب الله أعظم فقال أبي الله لا إله ألا هو الحي القيوم» فضرب الرسول على صدر أبي بن كعب وقال: «ليهنك العلم يا أبا المنذر».
يتحرر من الحديث أن آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، يتحرر من الآية نفسها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما رواه ابن حبان بسند صحيح: «أن من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» هذا ما جاء في فضلها أما في معناها فإنا نقول على هيئة نقاط حتى لا نطيل: صدرها الله بلفظ الجلالة {الله} وهو علم على الرب سبحانه وتعالى ولم يطلق على غيره، ثم نعت الله سبحانه وتعالى نفسه باسمين من أعظم أسمائه وهي قوله جل وعلا: {الحي القيوم} والحي القيوم قال أهل العلم كل أسماء الله الحسنى مردها إلى معنى هذين الاسمين ويقال أن معنى الحي أن حياة الله جل وعلا حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال حياة الله حياة تامة كاملة، ومعنى القيوم أنه جل وعلا مستغن عن كل أحد وكل أحد مفتقر إليه، فلا قوام لأحد إلا بالله، والله جل وعلا غني كل الغنى عن جميع خلقة {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}.
ثم قال سبحانه: {لا تأخذه سنة ولا نوم} بما أن الله جل وعلا قائم على كل أحد فإن من كمال قيموميته على كل أحد أنه لا تأخذه سنه ولا يأخذه نوم قال صلى الله علية وسلم: «أن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام بيده القسط يخفضه ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه منتهى إليه بصره من خلقة» فكل من يخطر ببالك فالله غير ذلك {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
{لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض} اللام هنا لام الملكية المطلقة وقد قلنا أن هناك ملك حقيقي وملك صوري هذه اللام لام الملكية أي جميع من في السموات ومن الأرض عبيد مقهورون للرب تبارك وتعالى.
{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} هذا استفهام إنكاري أي لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه يعلم مابين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشي من علمه إلا بما شاء.
العلوم أربعة: علم ماضي وعلم حاضر وعلم مستقبل وعلم لم يكن كيف يتصور كونه. وهذه الأربعة كلهن يعلمهن الله تعالى قال تعالى في هذه الآية: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} يشمل كل شيء يشمل كل علم، أما العلم الرابع قلنا يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون فيدل عليه قول الله تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} الله يتكلم عن المنافقين أن هؤلاء المنافقين لو خرجوا مع المسلمين ما زادوهم إلا خبالا مع أن المنافقين لم يخرجوا لكن الله أخبر لو كان منهم خروج كيف سيكون الوضع وقال الله عن أهل النار في سورة الأنعام {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} ومعلوم أن أهل النار لن يخرجوا من النار ولن يعود إلى الدنيا، لكن الله يخبر حتى لو عادوا على أي حال سيتصرفون وهذا معنى قولنا أن الله يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.
{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} كل من لديه علم فالذي علمه هو الله ولا يمكن لأحد أن يأتي بعلم لم يشاء الله له أن يعلمه {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} فإذا أول طرائق طلب العلم ما هو؟ أن تطلبها ممن؟ من الله لا يأتي العلم بمداد ولا بصحيفة ولا بالتتلمذ ولا بأي شيء أكثر مما يأتي بالاستعانة بالرب عز وجل فمن أخلص لله النية واستعان بربه على الوجه الأتم علمه الله جل وعلا وساق إليه العلم ماء زلالا ومن والعياذ بالله ساءت نيته أو اعتمد على قلم ومحبرة وصحيفة ومدادا وزيد وعمر وشريط وشيخ اعتمادا كليا واغفل جانب الاعتماد على الله لم ينل من العلم إلا بقدر ما يريده الله جل وعلا فمن قرة عينه بالله قرة به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم} اختلف في معنى الكرسي فقيل أنه العرش وهذا بعيد وهو قول الحسن البصري، وقيل أنه موضع القدمين للرب عز وجل وهذا فيه حديث صححه بعض العلماء، وقيل أن الكرسي معناه العلم معنى الكرسي أي العلم وسع كرسيه السموات والأرض يصبح معنى الآية وسع علمه السموات والأرض وهذا المشهور عن ابن عباس واختاره الإمام ابن جرير الطبري رحمة الله في تفسيره، وبعض العلماء يقولون أن الكرسي شيء ولا يقتحم لجج معرفة معنى الكرسي، الشيخ الإمام الشنقيطي في أضواء البيان تجاوز الآية والعلامة ابن السعدي لم يعرج عليها تعريجا يبين فيه معنى الكرسي، وابن جرير كما قلت اختار طريق ابن عباس أنه العلم، وبعض العلماء كابن كثير وغير مال إلى تصحيح الحديث وقال أن الكرسي موضع القدمين للرب عز وجل وقال بعض العلماء منسوب إلى أبو هريرة أنه موضع أمام الرب عز وجل وقيل غير ذلك وهذا مجمل ما تبناه أهل السنة سلك الله بنا وبكم سبيلهم.
{وسع كرسيه السماوات والأرض} الذي نريد أن نبينه أن الكرسي شيء عظيم وعظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق وهذا هو الأمر المهم عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق.
تأمل في نبات الأرض وانضر ** إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين شاخصات ** على ورق هو الذهب السبيك

على كثب الزبرجد شاهدات ** بأن الله ليس له شريك

{وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده} أي لا يعجزه ولا يثقل عليه حفظهما.
{العلي العظيم} العلي العظيم اسمان من أسماء الله الحسنى، الله جل وعلا علي في ذاته وعلي في مكانه وعلي بقهره لسائر خلقه وله العلو من الوجوه جميعها بالجر توكيد الوجود.
{وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم} هذه آية الكرسي على وجه الإجمال وهي من أعظم آيات كتاب الله كما صح الخبر وبينا عن الرسول صلى الله علية وسلم، لا أظن مسلم يخلوا من أنه يحفظها، تحفظ للأبناء للأمهات الكبار التي لا يقرأن ولا يكتبن ينبهن على أنها تقرأ كل دبر صلاه حتى ندخل في قوله صلى الله علية وسلم: «من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاه لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» جاء في الصحيح عن أحاديث أبي هريرة عند البخاري وغيره «أنها حفظا وحرزا من الشيطان» يقرأها المؤمن صباحا ومساء غدوا ورواحا فهي من أعظم آيات كتاب الله المبين.
ثم قال سبحانه: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}.
العقائد والشيء القلبي لا يأتي بالقوة أنت الآن تريد أن تجبر إنسان على أن يأكل تستطيع من خلال الضرب أن يأكل أو تريد أن تسقيه شيء لا يريد أن يشربه، بالعقاب تستطيع أن تجعله يشرب لكن الشيء القلبي لا يمكن أن يأتي بالإكراه لأنك لا تدري هل وقع في قلبه أو لم يقع، مثل معلم يأتي بعصا يجبر طلابه أن يحبوه حتى لو قال أحد الطلاب: أنا أحبك لا يستطيع أن يتبين هذا لأن هذا شيء قلبي فلا يمكن الإكراه في المسألة القلبية حتى لو أن الإنسان يتظاهر أمامك أنه يفعلها قد لا يفعلها فالله يقول: {لا إكراه في الدين} العقائد ما تأتي بالإكراه ومن معنى الآية كذلك أن دين الإسلام دين فطره لا يحتاج أن يكره الناس عليه، وما يحصل في بغداد أعظم شاهد كانت بغداد تحت رهينة الحكم البعثي وعقائدهم الكافرة، ثم جاء الأمريكان وهم أسوأ حالا بعقائدهم الضالة وتجبرهم على المسلمين فلما لم يستطع أهل بغداد أن يتكلموا أمام حاكمهم الأول جاء هؤلاء المغفلون وأعطوهم الحرية، خرج الناس بعد صلاة الجمعة يطلبون الإسلام وهذا الذي لا إكراه فيه والفطر لا تريد إلا الإسلام، وكم من بلد عربي مقهور تحت سلطانه يمنع فيه كثيرا من الطاعات لو قدر لشعوبه أن تتكلم لطالبوا بالإسلام، فالإسلام دين الفطرة ولذلك موسى وإخوانه من النبيين عليهم السلام كانوا يقولون لفرعون وأمثاله نحن لا نريدك أن تسلم ولكن خلي بيننا وبين الناس نحن إذا دعونا الناس واثقون أنهم سيدخلون في الإسلام، موسى عليه السلام يقول في سورة الدخان {أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين} ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحارب أبو جهل وأمثاله لأنهم كفار وحتى اليهود كانوا هنا كفار لكن حاربهم لأنهم كانوا يمنعونه أن يبلغ رسالة ربه وإلا لو حال هؤلاء الطغاة المعاندون في كل زمان ومكان مهما تلبسوا لو حاولوا وتركوا أن يكون حائلا بين الدعاة وبين لناس لآمن الناس وقبل الناس دين الله جل وعلا ولكن الطغاة والمعاندون والكفرة والظلمة وعلى اختلاف منازلهم في كل عصر يحولون بين العلماء والدعاة وبين عباد الله فتصبح الدعوة مخنوقة فلا يهتدي الناس لأن فيه حائل بينه وبين الدعوة، وبلادنا مثلا أمثل شاهد على النقيض لما لم يوجد منع للدعوة كما في هذا الدرس مثلا يأتي الناس طواعية وكراهية، لماذا لا توجد مثلا في تونس وغيرها من الدول العربية لا لأننا أحسن منهم لكن لأن الناس حيل بينهم وبين دعوة ربهم جل وعلا وإلا لو ترك الناس على حالهم لما ابتغوا غير صراط الله والله يقول: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} الرشد الإيمان، والغي هو الكفر والباطل، وقال بعض العلماء كما نقل عن الشعبي أن تفسير الآية مخصوص بالنصارى واليهود أهل الكتاب والمعنى أنهم لا يكرهون على الدين إذا دفعوا الجزية لكن الأول اشمل واظهر والله تعالى أعلم ثم قال سبحانه: {قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} العروة الوثقى قيل معناها لا إله إلا الله وقيل الإسلام ولا تعارض بينهما، الطاغوت كل ضال يدعو إلى غير دين الله كل ما عبد برضاه من غير الله.
والإيمان بالله واضح فمن كفر بالطاغوت وآمن بالله يخبر الله أنه استمسك بالعروة الوثقى المؤدية إلى جنات النعيم التي هي مطلب كل مؤمن، ثم قال الله بعد ذلك: {لا انفصام لها} يا أخي فيه فصم وفيه قصم، الفرق بين الفصم والقصم كلاهما يعني النزع ولكن الفرق يمثل بشيء محسوس لو أخرجنا هذه الحديدة بالكلية من هذا فهذا يسمى قصم لأنها بانت بالكلية لكن لو أخرجناها وبقي شيء يسير منها معلق بالأصل يسمى انفصام فالشيء إذا بان عن أصله لكنه بقي متعلقا بخيط ولو رفيع بالأول يسمى انفصام فإذا قضمته بالكلية وصار بينونة منتهية يسمى فصم فالله يقول إن الذي يفعل هذا استمسك بالعروة الوثقى دون انفصام فإذا نفي الانفصام من باب أولى أن ينفى القصم بالكلية.
{قد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} سميع بالأقوال عليم بالأفعال.
ثم قال سبحانه: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
قبل إن نشرح الآية وعظيا نشرحها بلاغيا يوجد في اللغة إفراد وجمع غالب استعمال القرآن إذا وجد مفرد مقابل جمع فإن الله يوازن بين فاضل ومفضول أو بين حق وباطل وتأمل القرآن، الله سبحانه يقول: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات}- جمعها- {والنور}- أفردها- وقال في النحل {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين}- أفرد اليمين- {والشمائل}- جمعها- {سجدا لله} جمع الشمائل لأن اليمين أفضل من الشمال.
هنا قال: {يخرجهم من الظلمات إلى النور}- جمع الظلمات وأفرد النور- وقال سبحانه: {وأن هذا صراطي}- مفرد- {مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل}- جمع سبيل- {فتفرق بكم عن سبيله} دائم الحق واحد والكفر أجناس متعددة يجمعها الباطل فالله يقول في هذه الآية: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} الله يا أخي يجيب من سأله ويعطي من طلبه ويأوي من التجأ إليه ومن حسن الظن بالله أن تعلم أن الله لا يضيع من لجأ إليه، الإكثار من صلاة الليل والدعاء في ثلث الليل الآخر والتضرع بين يدي رب العالمين والتماس رحمة الله تبارك وتعالى مع عدم اليأس والقنوط والإلحاح على الله تعالى من أعظم ما ينال به الإنسان خيري الدنيا والآخرة فإن جعلت الله وليك بحق تولاك الله تبارك وتعالى ومن تولاه الله لا يضيع وأنت حينما تردد مع أئمتك أو مع نفسك قول المؤمنين في دعائهم «اللهم إنه لا يعز من عاديت ولا يذل من واليت» رددها وأنت تفقه معناها ولا يعجبك آخر التاءات والسجع وتنشغل به أو بلحن الكلام إنما انشغل بمعنى الكلام اللهم لا يعز من عاديت من عادى الله لا يمكن أن تكتب له العزة مهما بلغ ومن تولى الله فإنه عزيز ولو أراد أن يذله الناس، اللهم لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت قلها في وترك في سجودك في أدبار الصلوات وأنت موقن بها والتمس من الله الرحمة والغفران أن يكون الله وليك فإن كان الله وليك فاعلم أنه لا يقدر على غلبتك أحد وليس غلبتك أن تظهر منتصرا على أقرانك ولكن العبرة بالمآل العبرة بالعاقبة العبرة بالوقوف بين يدي الله تعالى العبرة أن لا تعض يديك يوم القيامة يقول الله في سورة الفرقان: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا} زوال الحسرة يوم القيامة من أعظم المكاسب وأعظم المفاوز وأعظم الهبات وأعظم العطايا وهذه لا يعطاها إلا من تولاه الله تعالى: {يخرجهم من الظلمات إلى النور} يكون الإنسان حيران مبهم مدلج عليه الأمر فإذا لجأ إلى الله أنار الله له الطريق وأظهر الله له السبيل وأنت لا تعلم الغيب وقد يختار لك الله شيئا لا تريده ولكنه يظهر لك بعد مرور الأيام وتوالي الأعوام أن ما اختاره الله لك خيرا مما اخترته لنفسك.
قال الله جل وعلا بعدها: {ألم تر إلى الذي حآج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين}.
إبراهيم عليه الصلاة والسلام إمام الحنفاء وإليه تنسب الملة قال الله جل وعلا:
{ملة أبيكم إبراهيم} فيه لفته قبل أن نذكر المحاجه، كلمة حنيف في اللغة معناها الميل والإنسان الأعرج يقال له أحنف فكيف يوسم الدين بأنه مائل وكيف يوسم رجلا كإبراهيم بأنه يميل والجواب عن هذا أن الرسل عليهم السلام بعثوا والناس معوجون عن الطريق أي مائلون عن الحق فلما جاء إبراهيم أو أي رسول بعده جاء والناس معوجه فلوا سار معهم سيصبح معوج فلم اعوج عنهم أصبح مستقيم.
فحنيف معناها الميل عن الميل إستقامة، فبان من هذا إن مخالفة المعوجين يصبح اعتدال واستقامة هذا معنا الحنيفية في اللغة.
نعود إلى القصة قال العلماء أن هذا الرجل اسمه النمرود بالذال وقيل النمرود بالدال النمرود ابن كنعان ولا يهمنا اسمه والمؤرخون نقلا عن مجاهد يقولون أن الذين حكموا الأرض من المشرق إلى المغرب أربعه اثنان مسلمان والآخران كافران فالمؤمنان سليمان بن داود والثاني ذو القرنين والكافران بختنصر والنمرود ابن كنعان، هذا النمرود كان الناس يمرون عليه أيام الجدب يأخذون منه الميره يعني المؤونه فكل ما يمر عليه شخص يسأله من ربك فيقول ذلك الضال أنت فيعطيه المؤونه ويمشي فلما مر عليه إبراهيم قال النمرود لإبراهيم من ربك قال ربي الذي يحي ويميت وإبراهيم يقصد الذي أحيا الناس من إماتتهم ويفنيهم إذا شاء فقال هذا النمرود فرارا من الإجابة أنا أحيي وأميت، وفي رواية أنه جاء باثنين محكوم عليهما بإعدام قال أنت سامحتك، قال هذا أحييته وجاء بشخص ماله ذنب فقتله وقال أمته وإبراهيم ما قصد هذا والنمرود يعرف أن إبراهيم ما قصد هذا لكن تواريا منه فبقي إبراهيم على نفس المجادلة فيأتي بما هو أعظم منها، وقلت من يتولى الله يتولاه، قال إبراهيم إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب قال الله فبهت الذي كفر ولم يقل الله فبهت الكافر لو قال فبهت الكافر يصبح مجرد نعت عام للرجل الذي مر ذكره لكن لما قال فبهت الذي كفر بين الله أن خذلانه في الإجابة كان بسبب كفره، ولذلك الإنسان يصلي الفجر في الجماعة فيخرج وهو مستعين ويردد لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله جاء في الحديث الصحيح «إذا قال الإنسان لا إله إلا الله يقول الرب عز وجل صدق عبدي لا إلا أنا وإذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله يقول الرب عز وجل صدق عبدي لا حول ولا قوة إلا بي» فإذا خرج الإنسان في حياته اليومية وهو يردد لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يعقد عليها أصابعه فيأتيه موقف مفاجئ هو نفسه لم يستعد له فيلهم إجابة لو جلس عشرين سنه يستعين بالناس لا يعطاها، ويأتي إنسان لم يصلي الفجر ولم يعرف الله إلا قليلا ولا يذكره. فيأتي في موقف يجيب عنه الطفل الصغير فيبهت ولا يستطيع الإجابة لماذا؟ لعدم الإستعانة بالله، فهذا الرجل ما بهت لأن إبراهيم أفصح ولكن لأن إبراهيم موحد وهذا كافر قال الله: {فبهت الذي كفر} والدليل أن الله قال بعدها {والله لا يهدي القوم الظالمين} من ظلم وجعل لله ندا ولم يجعل لله تبارك وتعالى قدرا ولا معرفه ولا مكانه لا يمكن أن يوفقه الله ويهديه لأن الهداية مردها إلى الأيمان والعمل الصالح.
ثم قال الله تعالى: {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير}.
القرية هي بيت المقدس والذي هدمها وخربها بختنصر والذي مر عليها أختلف فيه قيل إنه عزير وهو بعيد والشاهد أن رجلا مر على تلك القرية وقد خربت فلما رءاها قد خربت وسقطت سقوفها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فهم البعض أن مقصود هذا الرجل أن الله يعيد هذه البلاد تعود من جديد هذا بعيد، لأن أي ديار على ما ترى وأنت في سفرك كثير من الديار تمر عليها قد خربت ثم تعود عاديه، وكم من ديار مبنية عاديه ثم تعود خربه كما في بغداد لكن هو لم يقصد القرية كبنيان لكن هو يقصد أهل القرية كيف يحيون بعد أن يموتون أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فالله جل وعلا رحمة به ورحمة بالناس بعده جعله هو آية فأماته الله بعث إليه ملك الموت قبض روحه مكث مئة عام ميت ثم عاد إليه ملك الموت فأحياه ثم سأله ملك الموت كم لبثت قال لبثت يوما فلما رأى الشمس لم تغيب قال لا بل لبثت بعض يوم فأخبره ملك الموت بل لبثت مئة عام ثم أنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه لم يتغير.
لم يتغير هذا يردنا إلى القصة الأولى لما قلنا أحيانا الله يعطل السبب لأن مرور الأيام سبب في تغيير الطعام والماء ولكن الله أبقاه وعطل السبب وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه.
وانظر إلى حمارك لأنه كان ميتا وأحياه الله، ولنجعلك أية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها وقرئت ننشرها ولا خلاف في المعنى لأن النشر هو الإحياء والإنشاز هو الرفع وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال الكلمة التي يقولها كل مؤمن: {أعلم أن الله على كل شيء قدير} ولو أن الناس وثقوا بهذه الآية لأراهم الله من عجائب قدرته قالوا أن المنصور أبي عامر أحد الملوك الطوائف في الأندلس كان يعمل حمارا يسوق الحمير ومعه اثنين على نفس صنعته قال لهم يوما ماذا تودون مني لو أصبحت أمير للمؤمنين فأخذوا يسخرون منه قال أنتم تمنوا فقال أحدهم وكان عاقلا أنا أريد قصور وجواري، قال الثاني أنا أريد أن تحملني على حمار وتجعل وجهي عكس الحمار ويطوف بي على القرية ويقال إني مجنون، ترك هذه الصنعة والتحق جنديا ثم مازال يترفع حتى صار حاجبا للخليفة يعنى الذي يجلس على الباب مثل قائد الحرس الملكي في عصرنا، وكان لهذه المكان منزلة عظيمة عند الناس قديما بعد ذلك مات الخليفة وكان له ابنا صغيرا لا يصلح للخلافة أعطي ولاية العهد فصنع له مجلس وصاية مثل ما يقال في عهدنا ولي العهد من عدة مجموعة الوزير والأمير والحاجب منهم المنصور بن أبي عامر، مع الأيام بقدرته وشطارته وبإرادة الله تغلب على الجميع فأصبح هو الأمير قال ائتوني برفيقي فوجدوهما في نفس المكان فأتى بهم فقال الأول ماذا قلت قال قلت قصور وجواري قال أعطوه قصور وجواري قال لثاني ماذا قلت قال أعفني يا أمير المؤمنين أنا نسيت فألح عليه فقال فأمر أن يوضع على حمار ويطوف به على البلاد، تشفع الناس وقالوا أنت حقق الله أمنيتك ماذا تستفيد أن يحمل هذا على حمار مخلوف قال لشيء واحد حتى يعلم أن الله على كل شيء قدير.
فا أعلم يا أخي أن الله على كل شيء قدير هؤلاء الذين ترونهم الأمريكيون في ارض بغداد وغيرها نعم ظاهرهم الطغيان وهم ما جاؤوا إلا ليفسدوا في الأرض لا يمكن أن يبيت بوش وأقرانه خيرا لأمة محمد لكن هذا الذي يريدونه هم والذي يريده الله بهذه الأمة من خير عظيم والله ثم والله ثم والله لا يمكن أن يرده بوش ولا غيره قال الله عز وجل في سورة الطور: {أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون} فنصر الله قادم شاءوا أم أبوا رضوا أم غضبوا كيف سيكون لا نعلمه لكن الذي نعلمه يقينا أنه سيكون كيف سيكون لا نعلمه؟ متى لا نعلمه؟ وأرجوا الله أن يكون قريبا لكن ثقوا أنه كم من محنه في طياتها منحة وعطية من الله والأمور كلما ضاقت دل ذلك على أول الفرج.
قال شاعر مسلم:
وراء مضيق الخوف متسع الأمن ** وأول مفروح به غاية الحزن

فلا تيأسن فالله ملك يوسفا ** خزائنه بعد الخلاص من السجن

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين والله تعالى أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. اهـ.